كتب روني ساسميتا أن خطاب دونالد ترامب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 23 سبتمبر لم يكن يومًا مناسبة دبلوماسية هادئة، بل عرضًا للغرور القومي وازدراء المؤسسات المتعددة الأطراف واحتقارًا صريحًا للقيم التي يدّعي ميثاق الأمم المتحدة الدفاع عنها. ما ميّز خطاب هذا العام لم يكن فقط سخريته من المنظمة الدولية التي وصفها بأنها "نادٍ للضعفاء" لم يحل أي مشكلة حقيقية، بل أيضًا صمته المتعمد عن مأساة غزة وصرخة الفلسطينيين من أجل العدالة.
ذكرت ميدل إيست مونيتور أن إغفال ترامب لم يكن عفويًا، بل إشارة سياسية تعكس رؤيته للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، التي اتسمت بالعمى الأيديولوجي والحسابات النفعية. الخطاب المليء بدعوات السيادة و"أميركا أولًا" أعاد رسالة واحدة: فلسطين لن تجد العدالة في عالم تحكمه عقلية "الرجل القوي". وفي حين بادرت دول أوروبية بالاعتراف بفلسطين في سبتمبر، بدت تلك الاعترافات بلا قيمة أمام احتقار ترامب للمؤسسات الدولية. الاعتراف في ظل غياب قوة تفرض القانون لا يصبح أكثر من رمزية فارغة.
غياب ذكر غزة ترافق مع إشادة ترامب بحلفاء "يقفون بقوة ضد الإرهاب"، في تلميح واضح لإسرائيل. هذا الأسلوب يتسق مع "عقيدة الرجل القوي"، حيث تُختزل السياسة في مواقف صلبة أمام الداخل، بينما تُهمّش المآسي الإنسانية. وفي عالم ترامب، الفلسطينيون ليسوا إلا عبئًا أو عقبة، لا قضية تستحق التعاطف.
على النقيض، صعد الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو إلى المنبر ذاته ليطلق دفاعًا عاطفيًا عن فلسطين، داعيًا إلى تحرك دولي عاجل لوقف الاعتداءات الإسرائيلية. بالنسبة لبرابوو، فلسطين قضية أخلاقية واستراتيجية تعزز شرعيته داخليًا وتضع بلاده في موقع قيادي بالعالم الإسلامي. لكن ترامب، بسخرية معتادة، وصف تلك المرافعة بأنها "مسرح سياسي"، كاشفًا رؤيته التي ترى في العدالة والتضامن وحقوق الإنسان مجرد هزل.
المفارقة المرة أن موجة الاعترافات الأوروبية بفلسطين جاءت في لحظة عجز النظام الدولي عن ترجمة الاعتراف إلى واقع. تلك الدول اعتقدت أنها تقف في الجانب الصحيح من التاريخ، لكن الواقع العملي يصطدم بحقيقة أن قوة مثل الولايات المتحدة تستطيع تعطيل أي مسار بقرار واحد من رئيس على شاكلة ترامب. الفيتو الأميركي في مجلس الأمن، وازدراء المحكمة الجنائية الدولية، كلها أدوات تجعل من الاعتراف مسرحية بلا أثر.
يشير الباحثون مثل تيري إم. مو في كتابه Trajectory of Power إلى أن الرؤساء الأقوياء قادرون على إبطال المؤسسات بنقرة قلم. ترامب جسّد ذلك. وحتى لو توافق المجتمع الدولي على دعم فلسطين، يستطيع رئيس أميركي معادٍ للتعددية أن يشل أي محاولة للتنفيذ.
ترامب لم يكن وحيدًا؛ خطابه تردد صداه مع قادة مثل فلاديمير بوتين وناريندرا مودي، الذين قوضوا الإيمان بالحوكمة الدولية. جميعهم يفضلون القوة على القانون، والمعاملات على القيم. بالنسبة لفلسطين، هذا التحول كارثي، إذ جرى تهميش القضية التي ألهمت لعقود حركات التضامن وأصدرت بشأنها قرارات أممية. والرسالة لبقية النزاعات، من أوكرانيا إلى ميانمار، واضحة: الحلول متعددة الأطراف باتت من الماضي.
خلص ساسميتا إلى أن خطاب ترامب لم يضعف الأمم المتحدة فقط، بل قوّض أمل الفلسطينيين الذين عوّلوا طويلًا على القانون الدولي. تجاهله لغزة وسخريته من مناصريها مثل برابوو، أكدا أن الاعترافات الغربية في سبتمبر لم تغيّر شيئًا على الأرض. في عالم يهيمن عليه "رجال أقوياء" يستهزئون بالقانون ويقدّسون المصالح، تبقى العدالة للفلسطينيين مؤجلة إلى أجل غير مسمى، وربما محرومة إلى الأبد.
https://www.middleeastmonitor.com/20250924-trumps-un-speech-palestine-and-the-futility-of-western-recognition/